فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (30):

{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)}
{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل} بما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا {مِنَ العذاب المهين} من استبعاد فرعون وقتله أبناءهم واستحيائه نساءهم على الخسف والضيم.

.تفسير الآية رقم (31):

{مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)}
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب على حذف المضاف والتقدير من عذاب فرعون أو جعله عليه اللعنة عين العذاب مبالغة، وجوز أن يتعلق حذوف يقع حالًا أي كائنًا من جهة فرعون، وقيل: متعلق حذوف واقع صفة أي كائنًا أو الكائن من فرعون ولا بأس بهذا إذا لم يعد ذلك من حذف الموصول مع بعض صلته.
وقرأ عبد الله {مِنْ عَذَابِ المهين} على إضافة الموصوف إلى صفته كبقلة الحمقاء. وقرأ ابن عباس من {فِرْعَوْنُ} على الاستفهام لتهويل العذاب أي هل تعرفون من فرعون في عتوه وشيطنته فما ظنكم بعذابه، وقيل: لتحقير فرعون بجعله غير معلوم يستفهم عنه كالنكرة لما فيه في القبائح التي لم يعهد مثلها وما بعد يناسب ما قبل كما لا يخفى.
وأيًا ما كان فالظاهر أن الجملة استئناف، وقيل: إنها مقول قول مقدر هو صفة للعذاب، وقدر المقول عنده إن كان تعريف العذاب للعهد ومقول إن كان للجنس فلا تغفل {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} متكبرًا {مِّنَ المسرفين} في الشر والفساد، والجار والمجرور إما خبر ثان لكان أي كان متكبرًا مغرقًا في الإسراف، وإما حال من الضمير المستتر في عاليًا أي كان متكبرًا في حال إغراقه في الإسراف.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)}
{وَلَقَدِ اخترناهم} أي اصطفينا بني إسرائيل وشرفناهم {على عِلْمٍ} أي عالمين باستحقاقهم ذلك أو مع علم منا بما يفرط منهم في بعض الأحوال، وقيل: عالمين بما يصدر منهم من العدل والإحسان والعلم والايمان، ويرجع هذا إلى ما قيل أولًا فإن العدل وما معه من أسباب الاستحقاق، وقيل: لأجل علم فيهم، وتعقب بأنه ركيك لأن تنكير العلم لا يصادف محزه.
وأجيب بأنه للتعظيم ويحسن اعتباره علة للاختيار {عَلَى العالمين} أي عالمي زمانهم كما قال مجاهد. وقتادة فالتعريف للعهد أو الاستغراق العرفي فلا يلزم تفضيلهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم خير أمة أخرجت للناس على الإطلاق، وجوز أن يكون للاستغراق الحقيقي والتفضيل باعتبار كثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم لا من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية، وقيل: المراد اخترناهم للإيحاء على الوجه الذي وقع وخصصناهم به دون العالمين، وليس بشيء، ومما ذكرنا يعلم أنه ليس في الآية تعلق حرفي جر عنى تعلق واحد لأن الأول متعلق حذوف وقع حالًا والثاني متعلق بالفعل كقوله:
ويومًا على ظهر الكثيب تعذرت ** على وآلت حلفة لم تحلل

وقيل: لأن كل حرف عنى.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)}
{وءاتيناهم مِنَ الايات} كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها في غيرهم، وبعضها وأن أوتيها موسى عليه السلام يصدق عليه أنهم أوتوه لأن ما للنبي لأمته {مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} أي نعمة ظاهرة أو اختبار ظاهر للنظر كيف يعملون، وفي {فِيهِ} إشارة إلى أن هناك أمورًا أخرى ككونه معجزة.

.تفسير الآية رقم (34):

{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)}
{إِنَّ هَؤُلآء} كفار قريش لأن الكلام فيهم، وذكر قصة فرعون وقومه استطرادي للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار عن مثل ما حل بهم، وفي اسم الإشارة تحقير لهم {لَيَقُولُونَ}.

.تفسير الآية رقم (35):

{إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ نْشَرِينَ (35)}
{إِنْ هي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاولى} أي ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية {وَمَا نَحْنُ نشَرِينَ} أي بعوثين بعدها، وتوصيفها بالأولى ليس لقصد مقابلة الثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى، ومات.
قال الأسنوي في التمهيد: الأول: في اللغة ابتداء الشيء ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون، كما تقول: هذا أول ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئًا وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاج.
ومن فروع المسألة ما لو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرًا فأنت طالق تطلق إذا ولدته، وإن لم تلد غيره بالاتفاق، قال أبو علي: اتفقوا على أنه ليس من شرط كونه أولًا أن يكون بعده آخر، وإنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره اه، ومنه يعلم ما في قول بعضهم: إن الأول يضايف الآخر والثاني ويقتضي وجوده بلا شبهة، والمثال إن صح فإنما هو فيمن نوى تعدد الحج فاختر مته المنية فلحجة ثان باعتبار العزم من قصور الإطلاع وأنه لا حاجة إلى أن يقال: إنها أولى بالنسبة إلى ما بعدها من حياة الآخرة بل هو في حد ذاته غير مقبول لما قال ابن المنير من أن الأولى إنما يقابلها أخرى تشاركها في أخص معانيها، فكما لا يصح أو لا يحسن أن يقال: جاءني رجل وامرأة أخرى لا يقال الموتة الأولى بالنسبة لحياة الآخرة، وقيل: إنه قيل لهم أنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عز وجل: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فقالوا: {إِنْ هي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاولى} يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تتعقبها حياة، إلا الموتة الأولى دون الثانية وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة، وهذا ما ارتضاه جار الله وأراد أن النفي والإثبات لما كان لرد المنكر المصر إلى الصواب كان منزلًا على إنكارهم، لاسيما والتعريف في الأولى تعريف عهد، وقوله تعالى: {الموتة الاولى} تفسير للمبهم وهي على نحو هي العرب تقول كذا فيتطابقان والمعهود الموتة التي تعقبتها الحياة الدنيوية، ولذلك استشهد بقوله تعالى: {وَكُنتُمْ أمواتا} إلخ فليس اعتبار الوصف عدولًا عن الظاهر من غير حاجة كما قال ابن المنير. وقوله في الاعتراض أيضًا: إن الموت السابق على الحياة الدنيوية لا يعبر عنه بالموتة لأن {فِيهَا} لمكان بناء المرة إشعارًا بالتجدد والموت السابق مستصحب لم تتقدمه حياة مدفوع كما قال صاحب الكشف، ثم أنه لا يلزم من تفسير الموتة الأولى بما بعد الحياة في قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الاولى} [الدخان: 56] تفسيرها بذلك هنا لأن إيقاع الذوق عليها هناك قرينة أنها التي بعد الحياة الدنيا لأن ما قبل الحياة غير مذوق، ومع هذا كله الإنصاف إن حمل الموتة الأولى هنا أيضًا على التي بعد الحياة الدنيا أظهر من حملها على ما قبل الحياة من العدم بل هي المتبادرة إلى الفهم عند الإطلاق المعروفة بينهم، وأمر الوصف بالأولى على ما سمعت أولًا.
وقيل: إنهم وعدوا بعد هذه الموتة موتة القبر وحياة البعث فقوله تعالى عنهم: {إِنْ هي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الاولى} رد للموتة الثانية وفي قوله سبحانه: {وَمَا نَحْنُ نشَرِينَ} نفي لحياة القبر ضمنا إذ لو كانت بدون الموتة الثانية لثبت النشر ضرورة.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)}
{فَأْتُواْ بِئَابَائِنَا} خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين أي فأتوا لنا بمن مات من آبائنا {إِن كُنتُمْ صادقين} في وعدكم ليدل ذلك على صدقكم ودلالة الايقان إما لمجرد الإحياء بعد الموت وإما بأن يسألوا عنه، قيل: طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله تعالى فيحيي لهم قصي بن كلاب ليشاوروه في صحة النبوة والبعث إذ كان كبيرهم ومستشارهم في النوازل.

.تفسير الآية رقم (37):

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)}
{أَهُمْ خَيْرٌ} في القوة والمنعة {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الأكبر الحميري واسمه أسعد بهمزة، وفي بعض الكتب سعد بدونها وكنيته أبو كرب وكان رجلًا صالحًا. أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: كان تبع رجلًا صالحًا ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلمًا، وأخرج أحمد. والطبراني. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا تبعًا فإنه كان قد أسلم» وأخرج ابن عساكر. وابن المنذر. عن ابن عباس قال: سألت كعبًا عن تبع فإني أسمع الله تعالى يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعًا فقال: إن تبعًا كان رجلًا من أهل اليمن ملكًا منصورًا فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند فرجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارًا فانطلق بهم نحو اليمن حتى إذا دنا من ملكه طار في الناس أنه هادم الكعبة فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك فإن هذا البيت لله تعالى وإنك لن تسلط عليه فقال: إن هذا لله تعالى وأنا أحق من حرمه فأسلم من مكانه وأحرم فدخلها محرمًا فقضي نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعًا حتى قدم على قومه فدخل عليه أشرافهم فقالوا: يا تبع أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره فاختر منا أحد أمرين إما تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت وإما أن تذر دينك الذي أحدثت وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء فقال الأحبار عند ذلك: اجعل بينك وبينهم النار فتواعد القوم جميعًا على أن يجعلوها بينهم فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمارها وقدموا جميعًا إلى النار وقامت الرجال خلفهم بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعًا لها فنكص أصحاب الأصنام وأقبلت النار وأحرقت الأصنام وعمارها وسلم الآخرون فأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذلك عمر تبع حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك فقتلوا أخاه وكفروا صفقة واحدة، وفي رواية عن ابن عباس أن تبعًا لما أقبل من الشرق بعد أن حير الحيرة أي بناها ونظم أمرها وهي بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة مدينة بقرب الكوفة وبني سمرقند وهي مدينة بالعجم معروفة، وقيل: إنه هدمها وقصد المدينة وكان قد خلف بها حين سافر ابنًا له فقتل غيلة فأجمع على خرابها واستئصال أهلها فجمع له الأنصار وخرجوا لقتاله وكانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام فبينما هو على ذلك إذ جاءه كعب.
وأسد ابنا عم من قريظة حبر إن وأخبراه أنه يحال بينك وبين ما تريد فإنها مهاجر نبي من قريش اسمه محمد صلى الله عليه وسلم ومولده كة فثناه قولهما عما يريد ثم دعواه إلى دينهما فاتبعهما وأكرمهما فانصرفوا عن المدينة ومعهم نفر من اليهود فقال له في الطريق نفر من هذيل: ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبر جد وذهب وفضة كة وأرادت هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه ما أراده أحد بسوء إلا هلك فذكر ذلك للحبرين فقالا: ما نعلم لله عز وجل بيتًا في الأرض اتخذه لنفسه غير هذا فاتخذه مسجدًا وانسك عنده واحلق رأسك وما أراد القوم إلا هلاكك فأكرمه وكساه وهوأول من كسى البيت وقطع أيدي أولئك النفر من هذيل وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم. وفي رواية أنه قال للحبرين حين قالا له ما قالا: وأنتما ما يمنعكما من ذلك؟ فقالا: أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم عليه السلام وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يريقونها عنده وهم نجس أهل شرك فعرف صدقهما ونصحهما فطاف بالبيت ونحر وحلق رأسه وأقام كة ستة أيام فيما يذكرون ينحر للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل، وقيل: إنه أراد تخريب البيت فرمى بداء عظيم فكف عنه وكساه.
وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحق أن تبعًا أرى في منامه أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الوصائل وصائل اليمن فكان فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى بها ولاته من جرهم وأمر بتطهيره وجعل له بابًا ومفتاحًا. وفي رواية أنه قال أيضًا: ولا تقربوه دمًا ولا ميتًا ولا تقربه حائض، وفي نهاية ابن الأثير في الحديث أن تبعًا كسى البيت المسوح فانتفض البيت منه ومزقه عن نفسه ثم كساه الخصف فلم يقبله ثم كساه الانطاع، وفي موضع آخر منها إن أول من كسى الكعبة كسوة كاملة تبع كساها الانطاع ثم كساها الوصائل والخصف فعل عنى مفعول من الخصف وهو ضم الشيء إلى الشيء والمراد شيء منسوج من الخوص على ما هو الظاهر، وقيل: أريد به هاهنا الثياب الغلاظ جدًا تشبيهًا بالخصف المذكور، والمعافر برود من اليمن منسوبة إلى معافر قبيلة بها، والميم زائدة، والوصائل ثياب حمر مخططة يمانية، والمسوح جمع مسح بكسر الميم وسكون المهملة أثواب من شعر غليظة، والانطاع جمع نطع بالكسر وبالفتح وبالتحريك بسط من أديم. وأخرج ابن سعد. وابن عساكر عن أبي بن كعب قال: لما قدم تبع المدينة ونزل بفنائها بعث إلى أحبار يهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب فقال له: شامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل مولده كة اسمه أحمد وهذه دار هجرته إلى أن قال: قال وما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى حتى يظهر أمره فقال تبع: ما إلى هذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابها على يدي.
وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وقيل بينه وبين مولده عليه الصلاة والسلام ألف سنة، والقولان يدلان على أنه قبل مبعث عيسى عليه السلام. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لا تقولوا في تبع إلا خيرًا فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى ابن مريم، وهو يدل على أنه بعد مبعث عيسى عليه السلام، والأول أشهر.
ومن حديث عباد بن زياد المري أنه لما أخبره اليهود أنه سيخرج نبي كة يكون قراره بهذا البلد يعني المدينة اسمه أحمد وأخبروه أنه لا يدركه قال للأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد فإن خرج فيكم فوازروه وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم، وقال في شعره:
حدثت أن رسول المليـ ** ـك يخرج حقًا بأرض الحرم

ولو مد دهري إلى دهره ** لكنت وزيرًا له وابن عم

وفي البحر بدل البيت الأول:
شهدت على أحمد أنه ** رسول من الله باري النسم

وفيه أيضًا رواية عن ابن إسحاق. وغيره أنه كتب أيضًا كتابًا وكان فيه أما بعد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك وأنا على دينك وسنتك وآمنت بربك ورب كل شيء وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة فإني من أمتك الأولين وتابعيك قبل مجيئك وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام، ثم ختم الكتاب ونقش عليه لله الأمر من قبل ومن بعد، وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبع الأول ودفعه إلى عظيم من الأوس والخزرج وأمره أن يدفعه للنبي عليه الصلاة والسلام إن أدركه.
ويقال: إنه بنى له دارًا في المدينة يسكنها إذا أدركه صلى الله عليه وسلم وقدم إليها وأن تلك الدار دار أبي أيوب خالد بن زيد وأن الشعر والكتاب وصلا إليه وأنه من ولد ذلك الرجل الذي دفعا إليه أولًا، ولما ظهر النبي عليه الصلاة والسلام دفعوا الكتاب إليه فلما قرئ عليه قال: مرحبًا بتبع الأخ الصالح ثلاث مرات.
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عليه صلاة الجنازة وكذا على البراء بن معروف بعد وفاته بشهر يوم قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة كما قال النجم الغيطي وكانت صلاة الجنازة قد فرضت تلك السنة، وكون هذا هو تبع الأول ويقال له الأكبر هو المذكور في غير ما كتاب، وذكر عبد الملك بن عبد الله بن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون أن أسعد هذا هو تبع الأوسط وذكر أيضًا أن ملكه ثلثمائة وعشرين سنة وملك بعده عمرو أربعًا وستين سنة، وقال ابن قتيبة: حسان وهو الذي قتل زرقاء اليمامة وأباد جديسا وكان ملكه خمسًا وعشرين سنة؛ والتواريخ ناطقة بتقدم تبابعة عليه فإن تبعا يقال لمن ملك اليمن مطلقًا كما يقال لملك الترك خاقان، والروم قيصر، والفرس كسرى أولًا يسمى به إلا إذا كانت له حمير وحضرموت كما في القاموس أو إلا إذا كانت له حمير وسبأ وحضرموت كما ذكره الطيبي، والمتصف بذلك غير واحد كما لا يخفى على من أحاط خبرًا بالتواريخ. وما تقدم من حكاية أنه هدم سمرقند ذكر عبد الملك خلافه ونسب هدمها إلى شمر بن افريقيس ابن أبرهة أحد التبابعة أيضًا كان قبل تبع المذكور بكثير قال: إن شمر خرج نحو العراق ثم توجه يريد الصين ودخل مدينة الصغد فهدمها وسميت شمر كند أي شمر خربها وعربت بعد فقيل سمرقند اه.
وحكاية البناء يمكن نسبتها إلى شمر هذا فإن كند في لغة أهل أذربيجان ونواحيها على ما قيل عنى القرية فسمرقند عنى قرية شمر وهو أوفق بالبناء، وذكر علامة عصره الملأ أمين أفندي العمري الموصلي تغمده الله تعالى برحمته في كتابه شرح ذات الشفاء أن تبعًا الذي ذكر سابقًا هو ابن حسان وأنه ملك الدنيا كلها وأنه يقال له الرائش لأنه راش الناس بالعطاء، ولعل ما قاله قول لبعضهم وإلا فقد قال ابن قتيبة: إنه ابن كليكرب.
وفي شرح قصيدة ابن عبدون أن الرائش لقب الحرث بن بدر أحد التبابعة، وهو قبل أسعد المتقدم ذكره بزمان طويل جدًا، وهو أيضًا ممن ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم في شعره فقال:
ويملك بعدهم رجل عظيم ** نبي لا يرخص في الحرام

يسمى أحمدًا يا ليت أني ** أعمر بعد مخرجه بعام

ثم إن ملكه الدنيا كلها غير مسلم، وبالجملة الأخبار مضطربة في أمر التبابعة وأحوالهم وترتيب ملوكهم بل قال صاحب تواريخ الأمم: ليس في التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر من كثرة عدد سنينهم مع قلة عدد ملوكهم فإن ملوكهم ستة وعشرون ومدتهم ألفان وعشرون سنة.
وقال بعض: إن مدتهم ثلاثة آلاف واثنان وثمانون سنة ثم ملك من بعدهم اليمن الحبشة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، والقدر المعول عليه هاهنا أن تبعا المذكور هو أسعد أبو كرب وأنه كان مؤمنًا بنبينا صلى الله عليه وسلم وكان على دين إبراهيم عليه السلام ولم يكن نبيًا، وحكاية نبوته عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصح، وإخباره بعثه صلى الله عليه وسلم لا يقتضيها لأنه علم ذلك من أحبار اليهود وهم عرفوه من الكتب السماوية.
وما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما أدري أكان تبع نبيًا أو غير نبي لم يثبت، نعم روى أبو داود. والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما أدري أذو القرنين هو أم لا» وليس فيه ما يدل على التردد في نبوته وعدمها فإن ذا القرنين ليس بنبي على الصحيح، ثم إن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام درى بعد أنه ليس ذا القرنين.
وقال قوم: ليس المراد بتبع هاهنا رجلًا واحدًا إنما المراد ملوك اليمن، وهو خلاف الظاهر والأخبار تكذبه، ومعنى تبع متبوع فهو فعل عنى مفعول وقد يجيء هذا اللفظ عنى فاعل كما قيل للظل تبع لأنه يتبع الشمس، ويقال لملوك اليمن أقيال من يقيل فلان أباه إذا اقتدى به لأنهم يقتدى بهم، وقيل: سمى ملكهم قيلًا لنفوذ أقواله وهو مخفف قيل كميت.
{والذين مِن قَبْلِهِمْ} أي قبل قوم تبع كعاد. وثمود أو قبل قريش فهو تعميم بعد تخصيص {أهلكناهم} استئناف لبيان عاقبة أمرهم هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو بدونه من الضمير المستتر في الصلة أو خبر عن الموصول إن جعل مبتدأ ولم يعطف على ما قبله {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} تعليل لإهلاكهم أي أهلكناهم بسبب كونهم مجرمين فليحذر كفار قريش الإهلاك لإجرامهم.